يوسف عليه السلام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".
وقد ذكره الله في عداد مجموعة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقالالله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِفَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَقُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّاللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر: 34].
حياة يوسف عليه السلام في فقرات:
(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:
-1 هو يوسف بن يعقوب من زوجته راحيل، ولد في "فدان آرام" بالعراق حينماكان أبوه عند خاله (لابان)، ولما عاد أبوه إلى الشام - مهجر الأسرةالإِبراهيمية - كان معه حدثاً صغيراً. قالوا: وكان عمر يعقوب لما ولد لهيوسف (91) سنة، وإن مولد يوسف كان لمضي (251) سنة من مولد إبراهيم.
-2 توفيت أمه وهو صغير، فكفلته عمته وتعلقت نفسها به، فلما اشتد قليلاًأراد أبوه أن يأخذه منها، فضنَّت به وألبسته منطقة لإِبراهيم كانت عندهاوجعلتها تحت ثيابه، ثم أظهرت أنها سُرقت منها، وبحثت عنها حتى أخرجتها منتحت ثياب يوسف، وطلبت بقاءه عندها يخدمها مدةً جزاءً له بما صنع، وبهذهالحيلة استبْقَتْه عندها، وكف أبوه عن مطالبتها به.
-3 كان يوسف أثيراً عند أبيه من بين إخوته، وقد رأى يوسف -وهو غلام صغير-رؤيا قصها على أبيه، فقال له أبوه: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىإِخْوَتِكَ} [يوسف: 5]، وذلك خشية عليه من حسدهم. وخلاصة الرؤيا: أنه رأىأحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، فعرف يعقوب أنها تتضمن مجداًليوسف يجعل إخوته وأبويه يخضعون لسلطانه.
-4 حسده إخوته على ولوع أبيهم به وإيثاره عليهم، فدبروا له مكيدة إلقائهفي الجب، فمرت قافلة فأرسلت واردها إلى البئر فأدلى دلوه، فتعلق يوسف به،فأخذوه عبداً رقيقاً وانتهى أمره إلى مصر فاشتراه رئيس الشرطة فيها، واحتلعنده مكاناً حسناً اكتسبه بحسن خلقه وصدقه، وأمانته وعبقريته. قالوا:ودخول يوسف إلى مصر يمكن تحديده قريباً من سنة (1600) ق.م في عهد الملكأبابي.
-5 عشقته زوجة سيده وشغفت به، فراودته عن نفسه فاستعصم، فدبرت له مكيدةسجنه إذا لم يُلَبّ رغبتها منه، فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّمِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: 33].
-6 أعطاه الله علم تعبير الرؤى، وكشف بعض المغيبات، فاستخدم ذلك في دعوة السجناء معه إلى توحيد الله، وإلى دينه الحق.
-7 كان معه في السجن فتيان: رئيسُ سُقاةِ الملك، ورئيس الخبازين، فرأى كل منهما في منامه رؤيا وعرضها على يوسف.
أما رئيس سقاة الملك: فقد رأى أنه يعصر خمراً، فقال يوسف: ستخرج من السجن وتعود إلى عملك فتسقي الملك خمراً.
وأما رئيس الخبازين: فقد رأى أنه يحمل فوق رأسه طبقاً من الخبز، والطيرتأكل من ذلك الخبر، فأخبره يوسف: أنه سيصلب وتأكل الطير من رأسه.
وأوصى يوسف رئيس السقاة أن يذكره عند الملك.
وقد تحقق ما عبر به يوسف لكل من الرجلين، إلا أن ساقي الملك نسي وصية يوسف.
-8 لبث يوسف في السجن بضع سنين، حتى رأى الملك رؤيا البقرات السمانوالبقرات العجاف، والسنابل الخضر والأخر اليابسات، فعرض رؤياه على السحرةوالكهنة فلم يجد عندهم جواباً، عند ذلك تذكر ساقي الملك ما أوصاه به يوسففي السجن فأخبر الملك بأمره، فأرسله إلى يوسف يستفتيه في الرؤيا، فكانجواب يوسف بأن البلاد سيأتيها سبع سنوات مخصبات ثم يأتي بعدها سبع سنواتقحط وجدب. ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وتعم فيه البركة.
-9 أُعجب الملك بما عبر به يوسف، فدعاه للخروج من السجن، ولكن يوسف أرادأن يعاد التحقيق في تهمته قبل خروجه، حتى إذا خرج خرج ببراءة تامة، فأعادالملك التحقيق، فاعترفت المرأة بأنها هي التي راودته عن نفسه. عند ذلك خرجيوسف من السجن، وقربه الملك واستخلصه لنفسه، وجعله على خزائن الأرض، ويشبههذا المنصب منصب (وزارة التموين والتجارة)، وسماه الملك اسماً يألفونه فيمصر بحسب لغتهم (صفنات فعنيح)، وجعله بمثابة الملك مسلّطاً على كلّ مصر،باستثناء الكرسيّ الأول الذي هو للملك.
-10 نظم يوسف أمر البلاد، وأدار دفة المنصب الذي وُكل إليه إدارة رائعة،وادَّخر في سنوات الخصب الحب في سنابله، لمواجهة الشدة في سنوات القحط،وجاءت سنوات القحط التي عمت مصر وبلاد الشام، فقام بتوزيع القوت ضمن تنظيمحكيم عادل.
-11 علمت أسرته في أرض الكنعانيين بأمر في مصر، فوفد إخوته إلاّ شقيقهبنيامين إلى مصر طالبين الميرة، لأن أباه -سيدنا يعقوب- صار حريصاً عليهبعد أن فقد ولده يوسف، فلما رآهم يوسف عليه السلام عرفهم، وأخذ يحقق معهمعن أسرتهم وعن أبيهم، واستجرَّ منهم الحديث فأخبروه عن بنيامين، فأعطاهمميرتهم ورد لهم فضتهم في أوعيتهم، وكلفهم أن يأتوا بأخيهم بنيامين فيالمرة الأخرى، وإلا فليس لهم عنده ميرة، فوعدوه بذلك.
-12 ذكروا لأبيهم ما جرى لهم في مصر، والشرط الذي شرطه عليهم العزيز، وبعدإلحاح شديد ومواثيق أعطوها من الله على أنفسهم، أذن لهم يعقوب عليه السلامبأن يأخذوا معهم أخاهم بنيامين.
-13 ولما وفدوا على يوسف عليه السلام دبَّر لهم أمراً يستبقي فيه أخاهبنيامين عنده، فكلف غلمانه أن يدسوا الإِناء الفضيّ الذي يشرب به في رحلأخيه بنيامين. ولما حملوا ميرتهم عائدين إلى بلادهم أرسل الجنود للبحث عنسقاية الملك، فوجدوها في رحل بنيامين فأخذوه، وكان أمراً شديد الوقع علىقلوبهم، وعادوا إلى يوسف يرجونه ويتوسلون إليه أن يخلي سبيل أخيهم، وعرضواعليه أن يأخذ واحدا منهم مكانه، إلا أنه رفض. فرجعوا إلى أبيهم إلا كبيرهمرأوبين، وأخبروه الخبر فظن بهم سوءاً، وحزن حزناً أفقده بصره. ثم أمرهمبالعودة إلى مصر والتحسس عن يوسف وأخيه، فعادوا إلى مصر وألحّوا بالرجاءأن يمنَّ العزيز عليهم بالإِفراج عن أخيهم، وخلال محادثتهم معه بدرت منهابادرة أسرها يوسف في نفسه، إذ قالوا: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}،يشيرون إلى الحادثة التي اصطنعتها عمته حينما كان صغيراً لتستبقيه عندها.
-14 وبأسلوب بارع عرّفهم يوسف بنفسه، فقالوا: {أَئِنَّكَ لأَنْتَيُوسُفُ؟!} قال: {أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُعَلَيْنَا!} [يوسف: 90] قالوا: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُعَلَيْنَا!} [يوسف: 91] والتمسوا منه العفو والصفح عما كان منهم، فقال:{لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92].وطلب منهم أن يأتوا بأهلهم أجمعين، وبذلك انتقل بنو إسرائيل إلى مصر،وأقاموا فيها وتوالدوا حتى زمن خروجهم مع موسى عليه السلام.
-15 قالوا: ولما اجتمع يوسف بأبيه - بعد الفراق - كان عمر يعقوب (130)سنة، فيكون عمر يوسف يومئذ (39) سنة، ثم توفي يعقوب بعدها بـ (17)سنة.وعاش يوسف عليه السلام من السنين (110)، ومات في مصر وهو في الحكم ودفنفيها، ثم نقل رفاته إلى الشام أيام موسى عليهما السلام، ودفن بنابلس علىالأرجح.
قالوا: وكانت وفاة يوسف عليه السلام قبل مولد موسى عليه السلام بأربعوستين سنة، وبعد مولد إبراهيم بـ (361) سنة. ولكن مثل هذه المدة لا تكفيمطلقاً لأن يتكاثر فيها بنوا إسرائيل إلى المقدار الذي ذكر مؤرخوهم أنهمقد وصلوا إليه أيّام موسى عليه السلام.
(ب) وقد فصَّل القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام في سورة كاملة مسماة باسمه،
وقد أبرزت من حياته مثالاً فريداً من روائع القصص الإِنسانية الهادية المرشدة، مرت في حياة رسول مصلح.